كتب الدكتور علي كشت: منتدى الاستثمار في شمال القفقاس: امال وتحديات

اظهر اقتصاد روسيا الاتحادية خلال السنوات الماضية مدى أهمية وجود خطط و استراتيجيات مستقبلية اقتصادية قادرة على مواكبة كافة التطورات التي قد تعصف باقتصاد اي دولة نتيجة ظروف سياسية طارئة قد تؤدي إلى أزمات حقيقة تؤثر على البنية الاستثمارية والتنموية لهذه الدول،
حيث قدمت روسيا الاتحادية مثالا يحتذى للاقتصاد الوطني القادر على الصمود في وجه التحديات، فرغم الالاف من العقوبات الاقتصادية الغير المبررة التي فرضت من قبل الغرب، ودعم الاقتصاد الروسي للعملية الخاصة في اوكرانيا في مواجهة تكتل من الدول الغربية بلغ أكثر من ٣٠ دولة داعمة لنظام بانديرا في كييف ومساعدات اقتصادية وعسكرية بلغت قيمتها أكثر من ٢٦٧ مليار دولار حتى نهاية العام ٢٠٢٤، تمكن الاقتصاد الروسي من تحقيق نموا بلغ ٤.٢% وحافظ على استقرار الأسعار في الأسواق المحلية وحققت العديد من الصناعات المحلية نموا واضحا،
وتعمل التكنولوجيا المحلية على سد الفراغ الذي تركته البرمجيات الأجنبية حيث شهدت تحقيق جهود كبيرة لتطوير أنظمة التشغيل والبرامج الإلكترونية ومنصات بديلة مثل شركة روسا و والتا كنظم تشغيل محلية و منصات دفع رقمية مثل مير.
ويعتبر تنظيم اي دولة لعدد من المنتديات والمؤتمرات الدولية الاقتصادية على اراضيها مؤشرا هاما من الناحية السياسية و الاقتصادية حيث يعمل على جذب الاستثمارات وخلق شراكات جديدة وعرض مشاريع كبرى خاصة بالبنية التحتية على المستثمرين سواء المحليين أو الأجانب، ويسهم ذلك في دعم صورة الدولة عالميا،
وقد عملت روسيا الاتحادية على تنظيم مجموعة مهمة من هذه المنتديات الاقتصادية وذلك بهدف إيجاد تحالفات جديدة أو بديلة اقتصاديا وتوسيع العلاقات مع أسواق الجديدة (خصوصًا الشرق الأوسط، آسيا، إفريقيا، أمريكا اللاتينية) مثل منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الذي أصبح منصة متميزة لجذب الاستثمارات يوازي منتدى دافوس، ويظهر كذلك منتدى اخر لا يقل أهمية الا وهو منتدى الاستثمار في شمال القفقاس للعام ٢٠٢٥ والذي استضافته مدينة مينيرالني فودي بإقليم ستافروبول تحت عنوان "مسار الاستثمار: الماضي والحاضر والمستقبل" خلال الفترة الممتدة من ٢٥ ولغاية ٢٧ ايار الحالي وتم عرض فرص ومشاريع واعدة في منطقة شمال القفقاس على رواد المنتدى الأجانب من المستثمرين والذي شهد توقيع اتفاقيات تجاوزت ٢.٦ مليار دولار و هو رقم قياسي في تاريخ المنتدى الذي عقد لأول مرة في العام ٢٠٢٣ ، وهو ما يؤكد الأهمية الاقتصادية الواعدة لمنطقة شمال القفقاس، وبلغ عدد المشاركين ٤٠٠٠ آلاف شخص من ٣٢ دولة و هو ما يعكس الاهتمام الدولي المتزايد بهذا المنتدى.
هذا الحدث الاقتصادي يجد صدى له في المملكة الأردنية الهاشمية حيث تميزت العلاقات الاقتصادية بين الاردن و روسيا الاتحادية بالتعاون المتنامي في مجالات عدة اهمها قطاعي الطاقة والسياحة ، حيث وقع البلدين اتفاقية في العام ٢٠١٥ لبناء اول محطة طاقة نووية في الاردن بتكلفة تقدر بحوالي ١٠ مليارات دولار، و على الرغم من التحديات الإقليمية التي تشهدها المنطقة فقد حافظ قطاع الطاقة على أهميته كمحور استراتيجي في العلاقات الثنائية بين البلدين، اما في قطاع السياحة فقد شاركت هيئة تنشيط السياحة الأردنية في معرض السفر والسياحة في موسكو الذي اقيم في شهر اذار من العام الحالي ٢٠٢٥، حيث تم توقيع اتفاقيات مع شركات سياحة روسية لتنظيم برامج سياحية مخصصة للأردن، مع التركيز على المواقع التاريخية والدينية مثل البتراء والمغطس.
ويمكن القول بان هذه المبادرات تعكس التزام البلدين بتعزيز التعاون الاقتصادي، والتركيز على تطوير البنية التحتية للطاقة وتنشيط القطاع السياحي، وتساهم الاجتماعات الدورية للجنة الأردنية-الروسية المشتركة في دعم هذه العلاقات وتطوير فرص جديدة تخدم مصالح البلدين وتُعزز من استقرارهما الاقتصادي، بالإضافة إلى هذا تتميز العلاقات الأردنية الروسية بوجود عدد من ابناء المجتمع الاردني ينحدرون من أصول شركسية تمثل جمهوريتي قباردينو بلقاريا و قراتشاي شركيسيا في منطقة شمال القفقاس و جمهورية الاديغية في منطقة جنوب روسيا الوطن الأم لاجدادهم وهو ما يضيف ميزة إضافية تساهم في مفهوم تعزيز الشراكة الاقتصادية بينهم،
حيث تتميز هذه الجمهوريات بوجود فرص استثمارية متنوعة في شتى القطاعات السياحية والزراعية والصناعية و غيرها، و تحمل طابعا ثقافيا متميزا يجعلها مؤهلة للمنافسة الاقتصادية.
لقد عكس منتدى الاستثمار في شمال القفقاس هذا العام مؤشرات إيجابية تستحق فعلا جذب اهتمام رجال الأعمال والمستثمرين في كل من المملكة الأردنية الهاشمية و روسيا الاتحادية للتعاون وبناء شراكات تجارية في المستقبل القريب تكون ذات منفعة على الطرفين.
الدكتور علي كشت